فصل: الخبر عن بني يرنيان اخوة مغراوة وتصاريف أحوالهم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن بني يرنيان اخوة مغراوة وتصاريف أحوالهم:

قد ذكرنا بني يرنيان هؤلاء وأنهم إخوة مغراوة وبني يفرن والكل ولد يصلتين ونسبهم جميعا إلى جانا مذكور هنالك وهم مبثوثون كثيرا بين زناتة في المواطن وأما الجمهور منهم فوطنهم بملوية من المغرب الأقصى ما بين سجلماسة وكرسيف كانوا هناك مجاورين لمكناسة في مواطنم واختطوا حفافي وادي ملوية قصورا كثيرة متقاربة الخطة ونزلوها وتعددت بطونهم وأفخاذهم في تلك الجهات ومنهم بنو وطاط متوطنون لهذا العهد بالجبال المطلة على وادي ملوية من جهة القبلة ما بينه وبيتن تازى وفاس وكم نعرف تلك القصور لهذا العهد وكان لبني يرنيان هؤلاء صولة واعزاز وأجاز الحكم بن المستنصر منهم والمنصور بن أبي عامر من بعده فيمن أجازوه من زناتة في المائة الرابعة وكانوا من أفحل جند الأندلس وأشدهم شركة وبقي أهل المواطن منهم في مواطنهم مكناسة أيام ملكهم ويجمعهم عصبية يحيى ثم كانوا مع مغراوة أيضا أيام ملكهم المغرب الاقصى ولما ملك لتنونة والموحدون من بعدهم لحق الظواعن منم بالقفر فاختلطوا بأحياء بنى مرين الموالين لتلول المغرب من زناتة أقاموا معهم في أحيائهم وبقي من عجز عن الظعن منهم بمواطنهم: مثل بني وطاط وغيرهم ففرضت عليهم المغارم والجبايات ولما دخل بنو مرين للمغرب ساموهم في اقتسام أموالهم وأقطعوهم البلد الطيب من ضواحي سلا والمعمورة زيادة إلى وطهنم الأول بملوية وأنزلوهم بنواحي سلا بعد أن كان منهم انحراف عنهم في سبيل المدافعة عن أوطانهم الأولى ثم اصطلحوا ورعى لهم بنو عبد الحق سابقتهم معهم فاصطفوهم للوزارة والتقدم في الحرب ودفعوهم إلى الممات وخلطوهم بأنفسهم وكان من أكابر رجالاتهم لعهد السلطان أبي يعقوب وأخيه أبي سعيد الوزير إبراهيم بن عيسى استخلصوه للوزارة مرة بعد أخرى واستعمله السلطان أبو سعيد على وزارة ابنه أبي علي ثم لوزارته واستعمل ابنه السلطان أبو الحسن أبناء إبراهيم هذا في أكابر الخدام فعقد لمسعود بن إبراهيم على أعمال السوس عندما فتحها أعوام الثلاثين والسبعمائة ثم عزله بأخيه حسون وعقد لحسون على بلاد الجريد من إفريقية عند فتحه إياها سنة ثمان وأربعين وسبعمائة وكان فيها مهلكه ونظم أخاهما موسى في طبقة الوزارة ثم أفرده بها أيام نكبته وإلحاقه بجبل هنتاتة واستعمله السلطان أبو عنان بعد في العظيمات وعقد له على أعمال سدويكش بنواحي قسنطينة ورشح ابنه محمد السبيع لوزارته إلى أن هلك وتقلبت بهم الأيام بعده وقلد عبد الحميد المعروف بحلى ابن السلطان أبي علي وزارته محمد بن السبيع بعد هذا أيام حصاره لدار ملكهم سنة اثنتين وستين وسبعمائة كما نذكره في أخبارهم فلم يقدر لهم الظفر ثم رجع السبيع بعدها إلى محله من دار السلطان وطبقة الوزارة وما زال يتصرف في الخدم الجليلة والأعمال الواسعة ما بين سجلماسة ومراكش وأعمال تازى وتادلا وغمارة وهو على ذلك لهذا العهد والله وارث الأرض ومن عليها سبحانه لا إله غيره.

.الخبر عن وجديجن وأوغمرت من قبائل زناتة ومبادىء أحوالهم وتصاريفهم:

قد تقدم أن هذين البطنين من بطون زناتة من ولد ورتنيص بن جانا وكان لهم عدد وقوة ومواطنهم مفترقة في بلاد زناتة فأما وجديجن فكان جمهورهم بالمغرب الأوسط ومواطنهم منه منداس ما بين بني يفرن من جانب المغرب ولواتة من جانب القبلة في السرسو ومطماطة في جانب الشرق في وانشريس وكان أميرهم لعهد يحيى بن محمد اليفرفي رجلا مهنم اسمه عنان وكان بينهم وبين لواتة الموطنين بالسرسو فتنة متصلة بذكر أنها بسبب امرأة من وجديحن نكحت في لواتة وتلا جامعها نساء قيطونهم فعيرنها بالفقر فكتبت بذلك إذ عنان تذمره فغضب واستجاش بأهل عصبته من زناتة وجيرانه فزحف معه يعلى في بني يفرن وكلمام بن حياتي في مغيلة وغرابة في مطماطة ودارت الحرب بينهم وبين لواتة مليا ثم غلبوا لواتة على بلاد السرسو واتهوا بهم إلى كدية العابد من آخرها وهلك عنان شيخ وجديجن في بعض تلك الوقائع بملاكوا من جهات السرسو ثم لجأت زناتة إلى جبل كريكرة قبلة السرسو وكان يسكنه أحياء من مغراوة يعرف شيخهم لذلك العهد علاهم ربيب لشيخهم عمر بن تامصا الهالك قبله ومعنى تامصا بلسان البربر الغول ولما لجأت لواتة إليه غدر بهم وأغزى قومه فوضعوا أيديهم فيهم قتلا وسلبا فلاذوا بالفرار ولحقوا بجبل معود وجبل دراك فاستقروا هناك آخر الدهر وورثت وجديحن مواطنهم بمنداس إلى أن غلبهم عليها بنو يلومين وبنو ومانوكل من جهته ثم غلب الآخرين عليها بنو عبد الواد وبنو توجين إلى هذا العهد والله وارث الأرض ومن عليها.
وأما أوغمرت ويسمى لهذا العهد غمرت وهم إخوة وجديجن من ولد ورتنيص بن جانا كما قلناه فكانوا من أوفر القبائل عددا ومواطنم متفرقة وجمهورهم بالجبال إلى قبلة بلاد صنهاجة من المشنتل إلى اللوسن وكان لهم مع أبي يزيد صاحب الحمار في الشيعة آثار وأوقع بهم إسماعيل القائم عند ظهوره على أبي يزيد وأثخن فيهم وكذلك بلكين وصنهاجة من بعده ولما افترق أمر صنهاجة لحماد وبنيه كانوا شيعا لهم على بني بلكين ونزع عن حماد أيام فتنته ابن أبي جلى من مشيختهم وكان مختصا بهم إلى باديس فوصله وحمل أصحابه وعقد له على طبنة وأعمالها حتى إذا جاء العرب الهلاليون وغلبوهم على الضواحي اعتصموا بتلك الجبال قبلة المسيلة وبلاد صنهاجة وقعدوا بها عن الظعن وتركوا القيطون إلى سكنى المدن ولما تغلب الزواودة على ضواحي الزاب وما إليها أقتطعتهم الدولة مغارم هذه الجبال التي لغمرت وهم لهذا العهد في سهمان أولاد يحيى بن علي بن سباع من بطونهم وكان في القديم من غمرت هؤلاه كاهن زناتة موسى بن صالح مشهور عندهم حتى الآن ويتناقلون بينهم كلماته برطانتهم على طريق الرجز فيها أخبار بالحدثان فيما يكون لهذا الجيل الزناتي من الملك والدولة والتغلب على الأحياء والقبائل والبلدان شهد كثير من الواقعات على وفقها بصحتها حتى لقد نقلوا من بعض كلماته ما معناه باللسان العربي أن تلمسان مآلها الخراب وتصير دورها فدنا حتى يثير أرضها حراث أسود بثور أسود أعور وذكر الثقات أنهم عاينوا ذلك بعد انتشار كلماته هذه أيام لحقها الخراب في دولة بنى مرين الثانية سنة ستين وسبعمانة وأفرط الخلاف بين هذا الجيل الزناتي في التشيع له والحمل عليه فمنهم من يزعم أنه نبي أو ولي وآخرون يقولون كاهن شيطان ولم تقفنا الأخبار الصحيحة على الجلي من أمره والله سبحانه وتعالى أعلم لا رب غيره.